القناعة فضيلة وهي ضد الطمع, والانسان الفاضل يجب أن يكون راضيا ومكتفيا بما هو فيه. فهل فضيلة القناعة بهذا المعني تتعارض مع الطموح الذي يريد باستمرار ان يكون حاله أفضل مما هو فيه؟ أم يستطيع الانسان المتدين ان يجمع في حياته بين القناعة والطموح دون ان يخطئ؟
والجواب هو أنه ليس كل طموح خطيئة, بل قد يكون فضيلة. والحكم في ذلك يرجع إلي نوع الطموح, وإلي وسيلته.. فهناك طموح روحي, وهو في الوقت نفسه يتفق مع طبيعة الانسان. فالاشتياق إلي الكمال هو فضيلة. ونقصد به الكمال النسبي, نسبة إلي مايستطيعه الانسان وما وهبت له من نعمة ومن عون إلهي. أما الكمال المطلق فهو لله وحده. وقد وضع الله في طبيعة الانسان ان يشتاق الي النمو وإلي الكمال,
حتي بذلك يمكنه أن ينمو في الفضيلة وفي عمل الخير. وهذا بلاشك طموح روحي, يجب علي الانسان أن يسعي اليه... فلا يجوز للانسان أن يكتفي بوضع معين في البر, يتجمد عنده دون أن يتقدم أو يتحرك ويمتد إلي ماهو أفضل. فهذه ليست قناعة سليمة, إنما خمول في الحياة الروحية, فيجب أن يمتد الانسان إلي قدام, مادام ذلك في مقدوره ولايتعارض مع أي وصية إلهية..
هناك إذن أنواع من الطموح, وكل نوع له هدفه:
* يوجد طموح في جمع المال, وصاحبه لايكتفي مهما اقتني. وهدفه هو الشهرة أوالنفوذ أو شراء الناس بالمال, أو الانفاق علي الملاذ والشهوات. وربما في طموحه هذا يعز عليه ان ينقص ماله في الاحسان الي غيره أو الصرف علي مشروع خيري, هو يعبد المال ويتكل عليه..
* هناك طموح آخر في السلطة والنفوذ, والارتفاع في المناصب والألقاب.. ليس من أجل استخدام النفوذ في خدمة المجتمع. إنما الهدف كله هو محبة العظمة والكبرياء. وهذا أيضا طموح خاطئ.
* هناك طموح آخر في العلم, والتفوق في البحوث العلمية, وهذا الطموح مطلوب ويستحق التقدير, بحيث يستخدم العلم في الخير.
* كذلك طموح روحي, وهو فضيلة, بحيث يكون في حكمة, ولايقود الي الغرور, ولاينحرف الي التطرف..
أما الطموح الشرير, فقد ظهر بأعلي قمته في الشيطان:
إنه طموح يهدف الي التأله ومنافسة الله في سلطانه, وتكوين مملكة شريرة تعادي الله, وتجذب البشر اليها بعيدا عن الله. بطموح في تدبير فرص للخطيئة, والنمو في وسائل اللهو والفساد, وابتكار أساليب جديدة في الشر. وعدم الاكتفاء بعدد الساقطين في حبائله, بل يطمح إلي إسقاط الكل, ويفرح في طموحه إن أسقط أحد الأقوياء أو الابرار, وإن انتشر الشر وزاد. ويعلم أنصاره الطموح في درجات الفساد, وجذب الآخرين اليه. فالذي يحترف النصب والاحتيال عنده طموح في ابتكار أساليب جديدة في النصب, ويفرح بنجاحه في ذلك.
أخشي أن يكون من نفس الطموح الشرير, طموح بعض علماء الهندسة الوراثية: أقصد الذين بدأوا يتدخلون في أمور تتعلق باختصاص الله في الخلق! بأن يتحكموا في نوعية الانسان الذي يولد, ويكلمون الجنين حسب هواهم من جهة المواصفات التي يريدونها, ويقدمون بويضات مخصبة أحكموا فيها دمج ما أرادوه من أوصاف الجينات. حتي صارت لهم بنوك لتلك البويضات المخصبة, تتلقي ماتريده الأم من نوع الجنين من حيث نوعه وشكله ولونه وذكائه!! وتدرجوا الي ماسموه بالاستنساخ.. نحن لانعارض مطلقا الطموح في العلم, بحيث يكون للعلم حدود لايتعداها الي الدخول في اختصاص الله وحده..
والطموح الخاطئ كما يكون خاطئا في نوعه, كذلك قد يكون خاطئا في وسيلته: مثال ذلك شخص يريد ان يرتفع, ويضع في طموحه ان يكون أعظم الكل, فتكون وسيلته هي ان يحطم كل من يراه منافسا له في العظمة والارتفاع, لأنه في طموحه يريد ان يكون اعظم من الكل, وأعلي من الكل. سواء كان طموحا في العظمة أو في الغني أو في المناصب. والأمثلة علي ذلك لاتحصي, نشاهدها في الحياة العملية.
* وقد يكون الطموح خاطئا بسبب شهوة لاتكتفي ولاتشبع كأن يقع شخص في شهوة المال. وكلما نال منه يطمح إلي نوال المزيد, وتظل نفسيته في تعب, لأن خياله يسبح في أرقام من المال أكبر وأضخم. وينطبق عليه قول سليمان الحكيم كل الأنهار تجري إلي البحر, والبحر ليس بملآن. وهكذا يقوده هذا الطموح المالي إلي لون من الجشع, وربما إلي وسائل خاطئة لتحقيق اهدافه وبالمثل من يقع في شهوة العظمة, أو في شهوة الشهرة. ولايكتفي..
نقطة اخري في الطموح الخاطئ, وهي الغرور
ففي بعض الأحيان قد يمتزج الطموح بالغرور: إما بغرور سابق أو بغرور لاحق. فالغرور السابق هو أن يظن شخص في نفسه انه يستطيع ـ في طموحه ـ أن يقوم بأعمال هي فوق مستواه بكثير. فيتحدي أو يعد بأداء مهام لن يقدر عليها! وليس هذا في الأمور المادية فقط, بل حتي في الأمور الروحية! إذ يريد في طموحه أن يقفز الي فضائل قد وصل إليها الأبرار بعد جهاد طويل! أو أنه يهدف إلي مستويات يظنها فضائل, وهي ليست كذلك. ولذلك فان الحكماء من المرشدين ينصحون مثل هذا الطامح بالتعقل وعدم التطرف.
أما الغرور اللاحق, فهو ان مثل هذا الشخص ـ في طموحه يقع في الخيلاء والتكبر, ويرتفع في عيني نفسه, ويظن انه قد وصل إلي ما لم يصل اليه غيره!
إن الطموح بمعني النمو الدائم في طاعة الله ومرضاته, يكون فضيلة, لكنه إذا تحول إلي مجرد الاعجاب بالذات الـEGO يصبح خطيئة: لأن التمركز حول الذات ـ إن دخل في أي فضيلة ـ فإنه يفسدها, إذ يهبط بمستواها, ويغير هدفها الصالح.
فكل انسان عليه ان يبذل جهده لكي يداوم النجاح ويرتفع مستواه. أما إن تحول هدفه في النجاح الي مجرد التفوق علي غيره ـ ولو بمستوي ضعيف ـ يكون قد انحرف في طموحه لأن الانسان الصالح يفرح بارتفاع غيره ولايهدف الي مجرد التفوق علي الغير. بل يريد الوصول الي الكمال وأن يصل غيره أيضا والذي يطمح في الوصول الي المستويات العليا, لايدخل في صراع مع الغير, ويحتفظ بقلبه نقيا. فلايفرح بالعلو مع هبوط الغير
منقووووووووووووووووووووووووووووول |
No comments:
Post a Comment